مقطع |
داوود أول طفل يولد للأسرة، تأخر في الحبو، اعتنت به أسرته كثيراً وقدمت له والدته الكتب باكراً. وعندما كبر قليلاً بدأ بتأمل الصحون الخزفية وهو يقول لنفسه " هل يمكنني أن أصنع مثل هذه الأطباق الجميلة؟" وبمساندة من جدته ووالديه في تنمية مواهبه وحبه للخزف والرسم، استطاع أن يتميز في صناعة الأواني والخزف، واستطاع صناعة طقم من الأواني تستخدمه الأسرة أثناء تناول الطعام، كما أستطاع تحقيق حلمه في إنشاء مشروعه الخاص وبيع الأواني الخزفية من متجره الخاص والذي يقدم فيه ورش تعليمية للصغار في صنع الأواني الخزفية وتلوينها.
قراءة في قصة "داوود فنان"
بقلم بتول احمد خميس
"اسمي داوود وأنا أول طفل ولد في هذا البيت" بتلك العبارة تبدأ قصة "داوود فنان"، إصدار جديد من دار البنان للكاتبة المتألقة "باسمة الوزان" ورسوم "لينا نداف"، يروي حكاية طفل من فئة متلازمة داون منذ ولادته إلى أن شاب وأصبح صاحب محل تجاريّ لصناعة الأواني الفخاريّة.
من عنوان القصة "داوود فنان" يظهر بوضوح أنّ الشخصية الأساسيّة التي تحوم حولها بقية الأحداث والشخصيات هي "داوود"، ولذلك جاء العنوان باسمه منعوتًاً بصفة الفن؛ لتعزز شخصه ومهارته منذ البداية انطلاقًاً من عنوان القصة، وكان لإخفاء الوجه في رسم الغلاف والتركيز على فعل اليد في صناعة الخزف دلالة واضحة على الرغبة في توجيه القارئ إلى شخص داوود وقدراته ومهاراته من خلال الاسم واليد، ولإزالة أي أثر مسبق للصورة النمطية التي رسخت لدى الكثير عن فئة متلازمة داون، ويوجه ذهن القارئ إلى فنه ومهارته في أداء العمل.
جاء نص القصة يعزز ذلك ببيان مسيرة "داوود" منذ طفولته في تحقيق هدفه وطموحاته بتطوير مهاراته وقدراته دون الإشارة إلى حالته الصحية، بل اكتُفى بمحاولة توضيح ذلك من خلال الرسوم؛ برسم الشخصية بملامح مشابهة للأفراد من ذوي متلازمة داون، وقد وفقت الرسامة في بعض المشاهد، وفي مشاهد أخرى كان هناك تقارب بين ملامح داوود والآخرين من حوله.
بتقليب صفحات القصة نجدها كُتبت بجمل بسيطة وأسلوب سهل سلس للقرّاء الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والرابعة عشر، وبذلك استطاعت الكاتبة أن توجه الخطاب إلى أكثر من فئة عمريّة في كتاب واحد وهو أمرٌ جيّد لتقارب الفئات العمريّة المنشودة.
من خلال أحداث القصة نجد تعزيزًاً واضحًا لدور الأسرة الممتد من الوالدين إلى الجد والجدة، فتأثيرهما ودورهما لا يقل أهمية عن دور الوالدين، فأسرة داوود تغمر ابنها بالحب والحنان والتشجيع والتعزيز الدائم لمهاراته وحبه لفن الخزف، وتوفير الفرص لتطوير تلك المهارة إلى أن شاب وأصبح صاحب محل لبيع الفخار، ويقوم على تدريب الصغار وتعليمهم صناعة القطع الفخارية، وبالرغم من الإيجابية المطلقة التي وجدناها عند أسرة داوود؛ إلا أن الواقع وحقيقة الأمر مختلفان تمامًاً عن مثالية القصة، فتربية طفل من فئة متلازمة داون لا تخلو من بعض المعاناة والإرهاق والتعب وذلك انعكاس طبيعي لطبيعة الحالة وما يصاحبها أحيانًا من حالات مرضية، مضافًا إلى ذلك النظرة النمطية للمجتمع، فلا بدّ من بعض العقبات التي واجهت الأسرة وداوود، فلا بأس من ذكر بعضها ذكرًا بسيطًا دون الإشارة السلبيّة إلى حالة داوود، فلا تخلو الحياة من صعوبات يقابلها المرء بالإصرار والسعي للوصول إلى الأفضل.
نظرًا لطبيعة الفئة العمرية التي وُجهت إليها القصة؛ غذت الكاتبة القصة ببعض المعلومات التي أثرت معرفة الطفل، فأحدثت في القصة تكاملًا لطيفًا بين القيم والمشاعر والمعرفة التي وجدناها في بعض المعلومات الخاصة بصناعة الفخار كأنواع الطين وألوانه، وكيفية تجفيفه، وعززت مجال المعرفة بأهمية زيارة المتاحف باعتبارها وجهة ثقافية تصور التاريخ وحياة الماضي.
كما أنشئت الكاتبة رابطة جميلة بين الفن العربي في نقش الأحرف وبين عشق داوود للأحرف والأناشيد، وهي بذلك تحي فنًا عربيًّا بات لا يذكر لجيلنا في هذا اليوم.
لم تغفل القصة عن مجال ذي أهمية عند ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو التواصل في البيئات والأماكن المختلفة، فنرى التواصل جليًّاً منذ اللحظات الأولى في حياة داوود مع أفراد أسرته، ثم ينتقل التواصل بعد ذلك في النادي المخصص من المدرسة ليمارس هوايته مع المعلم والزملاء، ثم بدوره صاحب محل ومدرب للصغار لفن الخزف، وهي رسالة مهمة أرسلتها الكاتبة للمراكز المجتمعية المختلفة بتوفير الأندية والمعاهد التي تنمي هوايات ذوي الاحتياجات الخاصة وميولهم.
لم يقف داوود في نهاية القصة عند تحقيق هدفه، إنما هناك هدف آخر عليه السعي لتحقيقه، وفي ذلك رسالةٌ مبطنة وجهت للقارئ الصغير والناشئ؛ أنّ الأهداف لا تنتهي بتحقيقها؛ إنما النجاح يولد أهدافًا وأحلامًا أخرى علينا المثابرة للوصول لها.
عشق الكاتب للكتابة يتجلى من تكامل النص بالفكرة والمشاعر وملامستها لواقع الحياة واختيار موضوع ندر تناوله في كتابات أدب الطفل العربيّ، فالتوفيق الدائم لجميع القائمين على إنجاز هذا العمل وإصداره.
|